د. محمد المهدى يحلل: مرسى.. داعية بدرجة «رئيس جمهورية»
01/01/2013 - 00:57
خطيب وإمام، هكذا قدّم الدكتور محمد مرسى نفسه للمصريين، منذ كان مرشحاً وحتى أصبح رئيساً لجمهورية مصر العربية، فأينما وُجد مرسى فى مسجد يبرز حرصه على أن يكون إماماً، بل وخطيباً، ففى المسجد النبوى كان إماماً، فى صلاة تراويح إماماً، حتى فى جنازة شقيقته إماماً، وفى القصر الجمهورى مع الزائرين والأصدقاء والحرس إماماً، حتى على بعض من رموز السلفية والأزهر الشريف.
فى التاريخ الإسلامى كان الأمير أو الوالى أو الخليفة يؤم الناس فى الصلاة ويخطب الجمعة فى أوقات كثيرة، والخلفية الإسلامية لدى «مرسى» تجعله يستلهم هذه الصورة للإمام أو الوالى؛ فهو ليس قائداً سياسياً فقط، لكنه إمام دينى ومرشد وداعٍ إلى الله فى الوقت نفسه.
يحلل الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، شخصية «مرسى»، قائلاً: «شخصية الإمام فى الرئيس مرسى لم تظهر فجأة، لكن أصولها بدأت فى مرحلة مبكرة». وأضاف: «جزء كبير فى تكوين مرسى يرجع إلى أنه ظل سنوات طويلة فى جماعة الإخوان المسلمين، تربى على القيام بالدعوة، وتعود على أن السياسة ما هى إلا جزء مكمل لهذه الدعوة، هذه التركيبة النفسية له جعلت الجزء الدعوى بداخله يطغى على ما سواه، وجعلت السياسة ليست إلا جزءاً جديداً يضيفه مرسى إلى مهامه الدعوية؛ ففى نظر جماعة الإخوان المسلمين، ونظر الرئيس، السياسة والحكم جزء من الإسلام، ودخول مرسى إلى السياسة لا يكون إلا من الجانب الدعوى الذى يحتل مساحة كبيرة بداخله».
الجانب الدعوى الذى طغى على الجانب السياسى فى شخصية «مرسى» لا يعود إلى التربية الإخوانية فقط، لكنه أصبح جزءاً أصيلاً من شخصية الدكتور محمد مرسى، طبقاً لما يقوله «المهدى»: «تكوين الشخصية فى الجانب الدعوى كان أكبر بكثير من التكوين السياسى، وهذا ما يفسر أن الأداء السياسى فى الفترة السابقة شابته ترددات، وارتباكات، وكأنه ليس متخصصاً فى السياسة، كما حدثت أخطاء كثيرة فى الممارسة السياسية جعلته يعتذر ويتراجع عن قرارات سبق أن اتخذها، إما بنفسه وإما تحت ضغط شعبى، وهذا يوضح كثيراً أن تخصصه فى السياسة ليس عميقاً؛ فالسياسى المحترف هو الذى يعرف متى يتخذ القرار، وكيف يجهز الناس له، وكيف يرعى قراره ويستمر فيه».
ويعتبر «المهدى» أن عدم تمكن الرئيس مرسى فى أمور السياسة يقابله تمكن كبير فى أدوات الداعية، قائلاً: «من الصعب أن يؤخذ عليه خطأ فى قراءة آية من القرآن، أو خطأ لغوى، هو كأى خطيب أو إمام فى المسجد يهتم باللغة العربية وبتفخيم النطق، والارتفاع بالصوت ونبرته، ليخاطب الجانب الحماسى والعاطفى والدينى عند المستمعين، وهذه ليست من صفات السياسيين، الرئيس يتجه نحو الاستمالات العاطفية أكثر من الاستمالات العقلانية، ويتضح هذا فى استشهاده بالنصوص الدينية واستلهامها، مثل (وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أخطأت فقومونى) إضافة إلى كثير من الكلمات والسلوكيات التى يؤكد بها أننا أمام رجل، مساحة الداعية الدينى بداخله أكبر من مساحة السياسى».
ويتابع «المهدى»: «على الرغم من أن مرسى يستشهد بالخلفاء الراشدين كثيراً، فإنه لا يتقمص شخصية واضحة منهم، أو من صحابة النبى، لو كان هناك شخصية واضحة يتقمصها، لما رأينا تعددية فى الصور التى يظهر بها علينا؛ فهو تارة يتقمص شخصية عمر بن الخطاب، وتارة أبى بكر الصديق، وتارة على بن أبى طالب، لا يوجد خط واضح، وثمة مشكلة فى التقمص؛ لأنه لا يختار شخصية واضحة ثابتة يتقمصها؛ لهذا نراه أحيانا كثير الحنان والأبوية، فيقول: (إنتو ولادى، وحق الشهداء والأقباط فى رقبتى)، وأحيانا يظهر وجه الأب الغاضب الذى يهدد ويتوعد، وأحيانا لغة الإنذار والترهيب، وهى أيضا من لغات الداعية حين يريد أن يُرهب الناس من خطأ يفعلونه، هو أحياناً يقول: اتقوا شر الحليم إذا غضب، ويقول: أنا عارف مين بيعمل إيه. وكذلك: الحق أبلج والباطل لجلج. وهى كلمات دينية ولغة دينية، فى حين أن السياسة لا يوجد بها حق وباطل ولا أبلج ولا لجلج».
الشخصية الأبوية التى يتقمصها الدكتور مرسى لا تجعله قريباً من رجال الدين الإسلامى وحسب، لكنها تجعله فى بعض الأحيان أشبه بالآباء المسيحيين فى الكنائس، كما يرى «المهدى»: «الداعية الدينى دائماً يتحدث كأب، وحتى فى الديانة المسيحية، رجل الدين يُقال له (أبونا)، الأبوية تعود للصفة الدينية، وليست موجودة فى السياسة، السياسة: مواطنون وحاكم، يتعاملون مع بعضهم على قدم المساواة، فلا وعود أبوية، ولا حنان، وإنما إجراءات وقوانين ولوائح تكفل الحقوق». ليست اللغة وحدها التى توضح حجم الداعية والإمام داخل الدكتور محمد مرسى، لكن نظرات وجهه تفعل ذلك أيضاً، هذا ما يوضحه «المهدى»: «السياسى غالبا لا يظهر مشاعره، إذا كانت مشاعر رضا أو غضب، أو حزن أو ألم، لكن الدكتور مرسى فى خطاباته يجعل المشاعر تحتل مساحة كبيرة فى وجهه، فأحيانا يبدو راضيا سمحا، وأحياناً مكفهراً، وأحياناً حزيناً أو تبدو المرارة على وجهه، وأحيانا يكون منفعلاً، حركات الجسد أيضا تجعله أقرب للإمام؛ فهو يستخدم يديه وجسده، وأحياناً يخرج عن بروتوكولات الرئاسة، ليتحول إلى خطيب فى مسجد يثير حماسة الناس فيشير بكلتا يديه، وبكفيه ليؤكد الفكرة التى يتحدث عنها، ويحيى العاطفية الدينية بداخلهم، السياسى فى العرف العام لا يفعل كثيراً، السياسى يتحرك بهدوء ويتكلم بحساب، وحركات جسده محسوبة حتى لا يقرأها من يسمعه».
الأخبار المتعلقة:
الإمام.. ألقى 60 خطبة منها 20 داخل المساجد غلب عليها أسلوب بنى أمية فى تهديد المعارضة
الشيخ ذو الأقنعة الثلاثة
فى السينما.. إذا طلبت منه أداء «مصالح الناس» مع «الصلاة».. فأنت «عدو الله»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق