متي تفلس مصر؟




أظهرت عدد من الحقائق الاقتصادية المصرية خلال الفترة الماضية، أن الحديث عن إفلاس مصر لم يعد حديثا خياليا أو متشائما، وإنما هي مخاوف لها ما يدعمها من الجانب الاقتصادي والمالي.

فأسباب إفلاس الدول على مر التاريخ تشابهت وتقاربت بشدة، حيث كانت تتلخص فى عدم إمكانية لتسديد الديون أو فوائدها فى الأوقات المحددة، أو رفض الحكومات الدفع نهائيا.
فالحكومات تلجأ للاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي، مع وجود عجز بين إيرادات الدولة وبين المصروفات المفترض أن تنفقها خلال عام الموازنة، ومع استمرار العجز ومواصلة سياسة الاقتراض وما يتبعه من فوائد وخدمة دين، تزداد الديون لتصل الدولة فى وقتا ما إلى العجز الكامل عن سداد فوائد الديون، ليعلن إفلاسها.
وإعلان افلاس الدول، اقتراح يسعي صندوق النقد الدولي إلى اقراره بشكل رسمي، ليتيح للدول - مثلها مثل الأفراد والشركات - إمكانية إسقاط الديون حال إعلان عدم القدرة على الالتزام بالسداد.
ولكن.. لا يمثل هذا الاجراء البساطة التي قد يفهم بها، فإعلان دولة ما إفلاسها يعني إنخفاض كبير فى قيمة عملتها المحلية، ومعدل النمو المحلي للاقتصاد، ناهيك عن هروب الاستثمارات الأجنبية وانهيار تام للتصينف الائتماني لها، ما سيترك أزمات قد تمتد لأعوام.
لذلك تسعي عدد كبير من الدول التي 'اكتشفت' مؤخرا أن ديونها السيادية قد وصلت إلى مستوي خطير، إلى العمل على اتجاهيين متوازيين، اولهما يقضي بمحاولة التفاوض لتخفيض قيمة الدين أو الاعفاء من الفوائد، وثانيا إقرار خطة تقشفية صارمة فى محاولة لتقليص العجز بين الإيرادات والمصروفات.
فقد قررت أسبانيا اليوم الجمعة، إقرار موزانة تقشفية صارمة، لتوفير نحو 27 مليار يورو، للتغلب على صعوبات مالية تمثلت فى ارتفاع الديون السيادية، بينما وافق وزراء مالية منطقة اليورو على زيادة إجمالي سقف الإقراض لدى صندوق الإنقاذ المؤقت إلى 800 مليار يورو أي أكثر من تريليون دولار، لتفادي تفاقم أزمة الديون السيادية.
كما دخلت اليونان فى مفاوضات قاسية مع دول منطقة اليورو، للحصول على مساعدات برنامج الانقاذ ومبادلة الديون وإلغاء جزء منها لدي قطاعات حكومية وخاصة فى عدد من دول الاتحاد.
ولم تسلم دول مثل إيطالي والبرتغال، من خطر الديون السيادية، فقامت بإقرار خطط تقشفية كبيرة، لتقليل عجز الموازنة من ناحية، ولطمأنة الدول والجهات المقرضة، بأن الوضع قابل للسيطرة.
ولكن ماذا عن مصر؟.. الواقع أن مصر لم تفعل أي شئ تجاه ارتفاع نسبة ديونها مقارنة بالناتج القومي، فلا هي قامت بإقرار سياسة تقشفية، ولا نجحت فى رفع كفاءة اقتصادها لزيادة الإيردات، ولا نجحت فى الدخول فى مفاوضات لتقليل فوائد القروض أو إلغاءها.
فرغم أن مصر فى المرتبة الثانية فى الدول العربية من حيث الدين العام - بعد لبنان - بعد أن بلغ الدين الداخلي نحو 1,248 تريليون جنيه مصري، والخارجي نحو 36 مليار دولار، الا انها تواصل الاقتراض بشراهة واضحة.
ومن المعروف أن الحد الآمن للديون السيادية، هو 60% من الناتج القومي، الإ أن الديون المصرية قد تجاوزن نسبة 95% من الناتج القومي، كما بلغت نسبة الفوائد من الموازنة لعام 2011 - 2012، نحو 110,8 مليار جنيه بزيادة 24,1 مليار جنيه، أي ما يوازي 28% من موازنة العام المالي الجاري.
فأزمة الديون الداخلية المصرية، تبرز فى تأثيرها على القطاع المصرفي - الممول الرئيسي للسندات وأذون الخزانة التي تطلقها الحكومة - مع تآكل السيولة لدي البنوك بشكل واضح، بينما من إيجابيتها التي يجب أن نوضحها، أن واقع أن معظم الديون، داخلية، يجعل الخطر أقل وطاءة.
ورغم معرفة الحكومة الحالية برئاسة الدكتور كمال الجنزوري لهذه الحقائق، الإ أنها تواصل سياسية الاقتراض الخارجي والداخلي بشكل كبير، مع التفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية والعربية، إضافة إلى عطاءات أذون الخزانة التيت جري بشكل شبه يومي، بفائدة تصل إلى 17%.
فأزمة الوضع المصري أن الأمور تجري بشكل عكسي، فأزمة الديون تسلتزم محاولة تقليص الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، ولكن في مصر - ومصر فحسب - يحدث تمديد للفجوة بطريقة منظمة، فالإيرادات تنخفض بشدة مع تأثر قطاع السياحة والاستثمار، بينما المصروفات ترتفع لخدمة الديون ودفع المطالب الفئوية لقطاعات من العاملين بالدولة.
فإذا واصلت الحكومات المتعاقبة السير على نفس النهج، فإن السؤال لن يكون هل تفلس مصر، وإنما سيتحول إلى قضية وقت لا أكثر، ليصبح السؤال متي تفلس مصر؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق