طوال فترة زواجي لم أستطع أنْ أُحب زوجي، ولم أُحسّ معه بالسعادة والاستقرار. كنتُ كآلة خالية
من الأحاسيس لا أرغب فيه ولا أتفاعل معه، ولا مكان للعواطف في قلبي، حتى لقاءاتنا الحميمة كنت أكرهها وأكره الاقتراب منه. ومع الأيام، تعرّفتُ على شخصٍ عبر النت، تبادلنا مشاعر الحب. عرف بمشاكلي، فشجّعني على طلب الطلاق من زوجي الذي كان قد سبق له وطلقني مرتين من قبل، بسبب عدم التفاهم، وأنا قمتُ فعلاً برفع قضية الطلاق للمرة الثالثة.
في هذه الفترة ترك زوجي البيت فبقيتُ مع أولادي أعيش حالة الحب ع النت، مع وعود جميلة بتوفير كل ما أتمناه والتعويض عما حُرمتُ منه، لكن بعد سبعة شهور من العلاقة، بدأ هذا الحبيب يطلب مني نقوداً.
كان يعيش في دولة عربية وأنا كنتُ أقيم في الولايات المتحدة الأمريكيَّة. قبل فترة بسيطة طلب مني مالاً لشراء جهاز كمبيوتر، فأرسلتُ له المبلغ المطلوب. بعدها بأسبوع واحد فقط، سألني أنْ أُرسل له خمسة آلاف دولار أمريكي كي يبدأ بوظيفة جديدة ويتزوجني، لكني تركته ورجعتُ إلى زوجي تحت تأثير وضغط إحدى صديقاتي.
كنتُ لا أزال بحالة نفسية سيئة، لا بل أسوأ مما كنتُ عليها من قبل، والآن يا أختي أنا تائهة محتارة مشوشة المشاعر لا أمل لي، أكره نفسي وأتمنى الموت، أكره حتى النظر في المرآة، مللتُ من كثرة البكاء، أشعر بالاكتئاب الشديد، لذا أرجوكِ أريدُ حلا
الحب ع النت
هذه ليست كلماتي أنا - كاتبُ هذا المقال - لكنَّها رسالة حقيقية من سيدة تعيسة، أرسلتها إلى محررة أحد مواقع الانترنت طالبةً مساعدتها.
وتلك الرسالة واحدةٌ من الأمثلة التي تحكي عن الحب ع النت، وهي في أغلب الأحوال ليست سوى نصباً ووهماً لا يقود إلاَّ إلى المزيد من التعب في حياة مُتعِبة أساساً.
بالطبع ما كانت تعيشه تلك المرأة ليس حباً، بل هوضرباً من الخيال في محاولة منها للهروب من الواقع المؤلم إلى صورة وردية، ثَبَتَ أنَّها وهمية وأكثر إيلاماً من الواقع ذاته!.
قد تظنّ بأني أبالغ وبأنَّ الحب ع النت لا يمكن أنْ يصل بصاحبه إلى الدمار، حسناً، هاك مثالاً آخر عن هذا النوع من الحب، اقرأ الخبر التالي الذي هزَّ الرأي العام التركي منذ سنوات:
’’أصيب الرأي العام التركي بصدمة شديدة جراء سماع نبأ انتحار القاضي الشاب مصطفى شتا، الذي اشتهر بتولّي ملف القضية المعروفة باسم قضية "سوسورلك"، وهي البلدة التي وقع فيها حادث تصادم سيارة كشف عن علاقة زعماء مافيا بمسؤولين أتراك سياسيين وأمنيين.
وكشفت التحقيقات عن مفاجأة غريبة سببت هذا الانتحار، حيث اتضح أنَّ القاضي الذي يعمل في محكمة جنايات "بنجول" وعمره ثمان وثلاثون عاماً، دخل في علاقة حب عنيفة مع فتاة عبر الانترنت، على أثرها طلَّق زوجته بعد زواج دام أحد عشر عاماً وتزوج بهذه الفتاة. الأمر الذي دفع زوجته الأولى إلى رفع دعوى تعويض حصدت من خلالها 15 مليار ليرة تركية "عشرة آلاف دولار"، بالإضافة إلى نفقة شهرية تبلغ ثلاثمائة وخمسين مليون ليرة.
ولم تقف مأساة القاضي الشاب عند هذا الحد، فقد تمادت زوجته الثانية في استخدام بطاقة الائتمان الخاصة به، لتتراكم عليه ديون أخرى بقيمة عشرة مليارات ليرة، علماً بأنَّ راتبه الشهري يبلغ ملياراً وثلاثمائة وخمسين مليون ليرة.
وحين فشل القاضي الشاب في تسديد ديونه للبنوك وفوائدها لثلاثة أشهر متتالية، رفعت البنوك قضية ضده للحجز على ممتلكاته، وفوجىء بأحد صغار الموظفين لديه في المحكمة يقوم بالحجز على منزله، وعندها لم يتمالك أعصابه فأطلق الرصاص على رأسه وانتحر ليلقى مصرعه في الحال أمام زوجته الجديدة‘‘.
عزيزي القارئ: كلنا متفقون على الفوائد الكثيرة التي قدمتها لنا تكنولوجيا المعلومات "الإنترنت"، وأبواب المعرفة والعلم التي فتحتها والحواجز التي كسرتها، حواجز وقفت لسنوات عديدة عائقاً أمام الفهم والإدراك. فقد منحت الناس ردوداً على أسئلتهم، في أي وقت وفي كل مكان و عن كل شيء.
كذلك نحن متفقون على السلبيات التي حصدناها بسبب سوء استخدام هذه الأداة العبقرية، وكما تُستخدم سكين المطبخ في القتل أحياناً، استُخدمت هذه الأداة الرائعة لنشر الخلاعة والصور الإباحيَّة، وسهلَّت الحصول عليها ورخّصتها، كما أنها فتحت الأبواب للنّصب على الناس واستغلالهم وبيعهم الأحلام والخيالات، عبر مسابقات اليانصيب ولعب القمار والحب عبر النت.
وإن كان التواصل عبر الإنترنت قد أعطى البعض الفرصة للعب دور القراصنة والقناصة، إلا أنه يعبِّر عن احتياج الإنسان الحقيقي والواقعي والعميق، إلى الحب والحوار والقبول والفهم من قبل الآخر، وربما كان هذا هو السبب الأكبر وراء جاذبية وسحر العلاقات عبر الإنترنت.
فعالم الإنترنت عالم افتراضي خيالي وليس واقعي، إنه العالم الذي يمكّنك من رسم صورة لمحبوبك، صورة لا تكون إلا في خيالك أنت فقط، وبسبب عدم وجود اقتراب يسبِّب الاحتكاك، فلن تعرف أبداً الشكل الحقيقي لهذا الحبيب المفترض، لأنه لم يوضع أمامك على المحكّ.
بمعنى آخر، أنت تحدِّث شخصاً من صُنعك، شخصاً ثالثاً لا تعرفه أنت ولا يعرفه حتى هو، لأنه لا يشبهه، والصفات التي وضعتها له قد لا تنطبق عليه، وهو كذلك يحدِّث شخصاً آخر عبر الإنترنت، ليس أنت، بل ذلك الإنسان الذي يحمل اسمك ويملك صوتك لكنه من صنع خياله هو.
وللأسف يرغب الشاب أو الفتاة في أنْ يُصدِّقا أشياء معينة يحلمان بها، ويتخيلان وجودها في ذلك الجالس في الطرف الآخر من الجهاز، الذي يتحاوران معه عبر الأسلاك.
ولأنَّ الشباب والفتيات على السواء تعبوا من إيجاد الشريك المثالي أو فارس الأحلام المطلوب، فقد جُذبوا إلى الإنترنت - فهو مصباح علاء الدين الذي يمكن أن يوفر الحبيب الذي طالما حلموابه، دون مجهود يذكر - وللأسف وقعوا في الفخ.
أنا لستُ ضد إقامة علاقات مع الآخرين عبر النت، لكني أشجعك على عدم اتخاذ قرارات مبنية على معطيات افتراضية غير حقيقية، تظن بأنها صحيحة ويسمونها "الحب ع النت".
أنا مع العلم ومع طالبيه ومع توسيع آفاقك ومداركك عبر النت، ومع التواصل مع الآخرين من خلاله لأغراض نزيهة، وللتعارف عبره كخطوة أولى، تليها لقاءات حية وخبرات يمكنك من بعدها أخذ قرار الارتباط من عدمه.
فقرار الارتباط لابد أن يبنى على معرفة ذاتك وشخصيتك ومعرفة الآخر وشخصيته، معرفة عملية اختبارية وسلوكية، ولابد أن يبنى على التوافق مع الآخر وعلى أخذ وقت كافٍ من الاحتكاك العملي في مواقف الحياة المختلفة، كذلك لابد لقرار الارتباط من أن يبنى على الشفافية والصراحة، وليس على الاختباء خلف الكمبيوتر والحديث مع "كذبة" لساعات طوال، دون أن تتحقق من أن الحب ع النت قد يكون غير هدف يصعب الوصول اليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق