جيهان الشعرواي
عفواً دكتور مرسي..
إجابات خاطئة ودلالات خطيرة!
كثيرا ما أجبر نفسي على الجلوس أمام شاشة التليفزيون للاستماع إلى خطب الدكتور محمد مرسي.. وقد حرصت على متابعة معظم حواراته قبل فوزه بانتخابات الرئاسة... الأمر الذي جعلني انتخب وبضمير راضي ومستريح خصمه الفريق أحمد شفيق... فقد هالني من دكتور مرسي عمومية إجاباته عن الأسئلة التي تطرح عليه، وإلمامه السطحي بكثير من الأمور، وعدم وجود رؤية واضحة لديه فيما يخص إدارة دولة.. ولا حتى إدارة مركز مدينة!
وقد اكتشفت اعتماده على إثارة مشاعر الخوف والترهيب لدى المشاهدين.. بتصوير خصمه على أنه الغول القادم ليلتهم المصريين ويأكل لحومهم ويشرب من دمائهم.. وبأنه استمرار لزمن فاسد وفساد لا طاقة لنا به.. وكثيرا ما كنت أتعجب من جرأته في الحوار وهو يقسم أنه يرى الخير قادم معه.. وبأن المصريين ينتظرهم في عهده لو نجح فرج ونهضة وعلوا كبيرا... وكنت أتساءل كثيرا.. هل يدرك فعلا ويعني ما يقوله؟؟ أم أنه كلام لزوم الدعاية الانتخابية؟
لم يكن عقلي وإحساسي يجيباني إلا بأن ما يقال ليس إلا عملية تخدير للشعب المشتاق إلى لقمة العيش والحالم بالكرامة والعزة والتواق إلى عدل يقام في أرضه ليطال الغني والفقير والصغير والكبير.
بعد أن سبق السيف العزل .. وأصبح الدكتور مرسي رئيساً لمصر.. تمنيت من الله أن يلطف بنا فيما جرت به المقادير.. وأن يخلف ظنوننا.. وظللت على حرصي لمتابعة خطبه وأحاديثه، ولأنه كان مسهباً ومكثراً في الخطب والأحاديث.. فقد كانت متابعة كل ما يقول أكبر من قدرتي على الملاحقة ولا يتسع لها وقتي الضيق.. لذلك قررت متابعة المهم منها فقط.. وما ينشر على المواقع من لقاءات مثيرة للجدل أو تحتوي على نوادره .. وما أكثرها!
أفزعني، بعيدا عن واقعة المنديل، ما دار في لقائه مع رئيس أمريكا السابق بيل كلينتون أثناء زيارة الدكتور مرسي لأمريكا في إطار مبادرة بيل كلينتون.. التي لا أدري حتى الآن هدفها ولا مضمونها الفعلي... فيبدو أنها ليست إلا مبادرة وهمية تحمل شعار إيجاد حلول للمشكلات التي يعاني منها العالم.. ولا يستبعد إن تكون مجرد واجهة أو ستار للولايات المتحدة لفرض سيطرتها وهيمنتها وتجسسها على دول العالم.
فأثناء لقاء الدكتور مرسي مع بيل كلينتون في حضور الكثير من رجال الأعمال السياسة والإعلام .. وجه الحضور للدكتور مرسي.. أستاذ قسم المواد في كلية الهندسة.. ورئيس حزب الحرية والعدالة السابق- الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي تعمل في مجال السياسة منذ عقود تعدت الثمانية.. ورئيس مصر الحالي مؤخرا.. وجهوا له الكثير من الأسئلة.. ولكن كيف كانت إجابات الدكتور مرسي على هذه الأسئلة؟!
المتابع المتجرد لهذا اللقاء منذ بدايته.. قادر على أن يكتشف المأساة التي حدثت في أمريكا.. والكارثة التي وقعت فيها مصر بفوزه وتمثيله لمصر في المحافل الدولية.. وأنا هنا لن أتكلم عن مقولته العبقرية التي " أفحم" بها، كما يدعي بعض مشجعيه، السادة الأمريكان.. حين سأله أحدهم عن وضع الأقليات في مصر، فرد عليه الدكتور قائلا.. مصر لا توجد بها أقليات.. فكل شعب مصر أغلبية!
والكارثة هنا في تعريفه لمصطلح الأقلية.. حيث يرى سيادة الدكتور أنه يعني مجموعة تعيش بصفة مؤقتة في مصر ثم تسافر بعد فترة.. ويجزم للحضور أن مصر لا توجد بها أقليات.
لن أتحدث أيضا عن استشهاده بأن وضع المرأة في مصر لا يمس. وأنه عمل في قسم كان به 17 عضوا.. وكان من بينهم امرأتان.. ولم تحدث أية مشكلات!
لن أتحدث كثيراً عن تفاصيل هذا اللقاء الذي جاء فيه معظم كلام الدكتور مرسي كلاما مرسلا لفض المجلس والاستعراض ليس إلا.. ولكن ما استوقفني صراحة وأذهلني لدرجة الفزع كان رد الدكتور مرسي على سؤال وجهه له بيل كلينتون حول مدى استعداد وحاجة مصر للاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة " الطاقة الشمسية وطاقة الرياح" في ظل إنفاق مصر ما يقرب من 15 مليار دولار على استيراد الوقود واستثمارات الطاقة.. بما يوفر قدر كبير مما يتم إنفاقه على استثمارات البترول والطاقة في مصر..
ليأتي رد الدكتور مرسي مذهلاً ومحيراً ومفتقداً للكثير من المعلومات الأساسية والعامة والبديهية أحيانا. ليخبر الجميع بأن استثمارات الطاقة في مصر تزيد عن 15 مليار.. وبإمكانية لجوء مصر لتوليد الطاقة بالطرق النظيفة . ثم يبدأ في ذكر المميزات التي تحظى بها مصر في هذا المجال... وهنا كانت الكارثة.
فمن بين المميزات الذي ذكرها الدكتور مرسي هو تمتع مصر بإمكانيات هائلة تؤهلها لهذا الاستثمار متمثلة في وجود صحراء واسعة وممتدة وبرغم أنها مكلفة لكنها قد تكون مفيدة!
ثم استفاض الدكتور في شرح ما تتمتع به مصر من موارد طبيعية تتمثل في الحديد والفوسفات بكيات كبيرة والمعادن.. بالإضافة إلى الذهب الذي نما إلى علمه أن أسعاره ارتفعت كثيرا!
ثم يستطرد ليحكي عن وجود الشواطئ الممتدة في مصر والتي يمكن أن تستخدم لتوليد طاقة الرياح وأيضا لحماية الشواطئ!
وكانت الكارثة الكبرى حين قال أن شواطئ مصر تمتد إلى أكثر من ألف كيلو متر!
في حين يدرس أطفالنا في المدارس معلومة مؤكدة لا تتغير مع تغير الزمان ولا الحكام وهي أن مساحة الحدود الساحلية لمصر تبلغ حوالي 2500 كيلو متر .
وتوطيداً لوقع الكارثة.. يستمر الدكتور مرسي - وهو مستمتع للغاية بالميكروفون في يده - ليخبر الجميع بأن مصر تتمتع أيضا بعدد كبير من حقول البترول والغاز الطبيعي ... والتي يمكن استخدامها في توليد الطاقة خاصة في الشمال وعلى حدود البحر المتوسط..!!
وأن مصر بصدد الكشف عن مزيد من الحقول لكن المهم أن تكون لدينا الإرادة والتصميم والقدرة على فهم التكنولوجيا الحديثة وعمل دراسات جدوى لاستغلال هذه الموارد.. والاستثمار في مصر ليتمكن الشعب المصري من التغلب على مشكلاته وإيجاد المزيد من فرص العمل !!!!!!
لا أخفي أن استمعت لهذا الفيديو عشرات المرات.. لعلي أجد به ما لم أستوعبه أو ربما أني قد فهمت ما قاله خطأ.. .. وظنا مني أني أتحامل عليه لمجرد أني لم يكن مرشحي للرئاسة .. ولكني كلما أعدت الاستماع لهذه الإجابات أدركت وتيقنت من حجم الكارثة التي نعاني منها وستظهر آثارها بمرور الوقت..
فها هو رئيس مصر الحالي لا يعلم كم تبلغ مساحة شواطئ مصر بالتحديد.. واختصرها في 1000 كيلو مترا فقط.. وها هو رئيس مصر يمثل مصر في محفل دولي ولا يعلم ما الفرق بين الطاقة المتجددة وبين الطاقة الناضبة.. فحين يسأله كلينتون عن مدى استعداد مصر لهذه الصناعة القائمة بذاتها.. يذكر له الدكتور مرسي بأن مصر لديها حقول بترول وحقول غاز يمكن أن تستخدمها في توليد الطاقة.. وهو بهذه الإجابة يبدو كما لو كان يعلن صراحة أن مصر ليست في حاجة إلى طاقاتكم النظيفة.. لأن أساسيات الإقبال على الطاقة المتجددة هو الرغبة في التخلي عن البترول والمحروقات، وهي الموارد التي يتوقع الخبراء اختفائها ونضوبها خلال السنوات الخمسين القادمة..!!!
وأنا هنا إذ أطلب من ذوي العلم والبصر والبصيرة والمنطق وأهل الفيزياء والاقتصاد والاستثمار... هل يعقل يا سادة أن يحاول الدكتور إقناع المستثمرين في الطاقة المتجددة بالتأكيد على تمسكه بالطاقة الناضبة من الغاز والبترول ..؟؟!!
ولمزيد من الإغراء.. يذكر لهم الحديد والفوسفات والذهب.. وهي مجالات مختلفة تماما عن مجال الاستثمار في الطاقة.. بل هي تحتاج بالأساس للطاقة لتزدهر صناعاتها ؟؟!!
وهل يعقل يا سادة أن يحاول إقناع هؤلاء المستثمرين بضرورة الاستثمار في مصر لمجرد أن بها صحراء واسعة .. ؟؟!! وبدون أن يذكر مساحة هذه الصحارى والأماكن الصالحة منها لإقامة محطات لتوليد الطاقة الشمسية وعدد أيام سطوع الشمس في مصر ؟؟!! والأخطر أنه يتجاهل أن مصر تعتبر أكبر مصدر لخام السليكا " الرمل: المستخدم في تصنيع الخلايا الشمسية ؟؟ والذي يصدر بأسعار زهيدة مقارنة باستخدامها وبأسعار نفس الخلايا عند استيرادها من الخارج.. وهي القضية التي تعد أكثر خطورة وأهمية من قضية تصدير الغاز لإسرائيل.. لما بها من إهدار لثروات مصر القومية والتكنولوجية أيضا...!!
وبدلا من أن يطالبهم بإقامة مصنع في سيناء حيث توجد السليكا.. فها هو يقول لهم أنها مكلفة ولكنها قد تكون مفيدة ؟؟؟!!
هل يعقل يا سادة أن يقول لهم أن مصر تحتاج إلى هذه التكنولوجيا دون أن يقدم لهم أية رؤى حول تصوراته لنوعية وطبيعة هذه الاستثمارات وما قد يقدمه من تسهيلات وضمانات لأموال المستثمرين ومراكز الأبحاث المصرية التي تستطيع المساهمة في هذا المجال.. واشتراط أن يتم نقل هذه التكنولوجيا للخبراء المصريين ليزدادوا خبرة في هذا المجال.
ألا تكفي هذه الإجابات التي قالها الدكتور محمد مرسي لتدل على مدى لا وضوح رؤيته لتنمية مصر، ومدى ضحالة مشروعه النهضوي؟!
ألا تكفي هذه الإجابات لمحاكمته بتهمة التمثيل غير المشرف لمصر والحديث فيما يجهله وإهداره لكثير من فرص التنمية والاستثمار مجالات الطاقة المتجددة في بلد يعاني من أزمة في أنابيب البوتجاز ويستورد الغاز الطبيعي..في الوقت الذي يتغنى فيه كرئيس بما تملكه مصر من حقول غاز طبيعي وبترول .. وتمتد فيه طوابير السيارات لعدة كيلومترات أمام محطات البترول بحثا عن السولار.. وتتوقف .. بل وتنفجر فيه محطات توليد الكهرباء لعدم وجود الوقود أو لرداءة جودته؟!
ألا تكفي هذه الإجابات لتدلل لنا عن مدى سوء عاقبة وخطورة هذا الاختيار... وما نحن مقبلين عليه من انهيار؟!
وفي النهاية.. يا كل ذوي العقول والرؤى والرأي.. هل يمكن أن تشاهدوا هذا الفيديو- وهذا هو الرابط - لتخبروني عما إذا كنت أتجنى على الدكتور محمد مرسي.. أم أنه هو الذي تجنى علينا وعلى مصر كلها بترشحه لهذا المنصب الذي لم يدرك أهميته ولا خطورته ولا طريقة التعاطي معه حتى الآن؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق