عادل حمودة يكتب : خطة أوباما التى أوصلت مرسى للرئاسة


عادل حمودة يكتب : خطة أوباما التى أوصلت مرسى للرئاسة

11/10/2012 2:24 PM

عادل حمودة


الإدارة الأمريكية استغلت ثورات الربيع العربى وتحمست لمساندة الإسلاميين وأوصلتهم للسلطة بعد أن ضمنت سيطرتها عليهم



عندما جاء باراك أوباما إلى القاهرة ليلقى محاضرته فى جامعتها العريقة رفض حسنى مبارك مقابلته.. فقد كان حزنه على وفاة حفيده أكبر من رغبته فى الجلوس إلى الرئيس الأمريكى.. وفتح صفحة جديدة مع البيت الأبيض.. بعد خمس سنوات من القطيعة بينه وبين سلفه جورج بوش.

بصعوبة أقنعه عمر سليمان بتناول الإفطار مع أوباما.. على أن يترك التفاوض لرجاله.. فى الخارجية.. والمخابرات.. وفى تلك اللحظة قرر أوباما أن صلاحية مبارك للحكم قد انتهت.. فلم يتردد فى إجباره على الرحيل فور أن قامت مظاهرات 25 يناير.. وهو ما وصفته سوزان ثابت بالخيانة.. ولكن.. كيف ساندت الإدارة الأمريكية جماعة الإخوان فى الوصول إلى الرئاسة.. لتشطب نظاما عمره 30 سنة.. وتأتى بتنظيم عمره 84 سنة ؟

سنحتاج لبعض الوقت وقليل من الصبر لنرسم مشهد الخلفية.. حيث يجلس مؤلف العرض برنارد لويس فى الكواليس سعيدا بما حقق.

برنارد لويس.. مفكر يهودى.. تخصص فى الدراسات الإسلامية.. انتقل من العمل مع المخابرات البريطانية إلى العمل مع المخابرات الأمريكية.. وبعد هجمات سبتمبر اختاره بوش ليكون مستشارا له.. ووجدها الرجل فرصة كى يخدم إسرائيل فخرج بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذى فرض نفسه علينا.. وجاء بالإخوان المسلمين إلى حكم مصر.. لينفضوا أيديهم عن الجهاد ضد عدو الله الذى يحتل فلسطين.. مكتفين بتصفية التيارات الإسلامية المنافسة.. والجماعات المدنية المختلفة.

لخص لويس فكرته فى مقال مطول.. نشر فى كتيب لا يتجاوز حجمه حجم كتيبات الأدعية التى توزع فى سرادقات العزاء.. وأضفى عليه المحافظون الجدد (وزيرة الخارجية السابقة كواندليزا رايس وشركاؤها) صفة الأهمية.. وبعد أن جاءت تيارات الإسلام السياسى إلى السلطة مستغلة ثورات الربيع العربى حتى منحوه صفة القداسة.

لاحظ لويس أن سقوط الاتحاد السوفيتى أدى إلى تحرير الجمهوريات الإسلامية من سيطرته.. ولكنه.. أدى فى الوقت نفسه إلى منطقة فراغ استراتيجى بمساحة هذه الجمهوريات.. تفصل ما بين الشرقين الأدنى والأقصى.. فجاءت فكرة الشرق الأوسط الجديد.. أو الكبير.. ليمتد من حدود المغرب مع إسبانيا إلى أطراف الصين.. وكلها منطقة إسلامية واحدة.. أصبحت خاضعة لسيطرة القيادة المركزية العسكرية الأمريكية.

ولم تتردد الإدارة الأمريكية فى غزو أفغانستان.. والعراق.. فى حربها ضد الإرهاب.. وكانت النتيجة مئات من القتلى.. وتريليونات من الدولارات.. دماء سالت.. وكساداً جاء.. وعجزاً هائلاً فى الموازنة.. وخفوتاً فى صحة الدولار.. وكلها مظاهر أدت إلى الأزمة الاقتصادية الشرسة التى هددت كل مواطنى الولايات المتحدة بلا استثناء.. وهو ما منح أوباما فرصة الفوز فى الانتخابات الرئاسية الماضية.. وفتحت أبواب البيت الأبيض لأول رئيس أسود فى البلاد.

لم يشطب أوباما خطة لويس وإنما طلب تعديلا عليها.. يضمن نجاحها.. وفى الوقت نفسه يضمن انسحاب القوات الأمريكية من مناطق الحرب.. وجاءت الفرصة فى تونس.. فتدخل البيت الأبيض ليجبر زين العابدين على الرحيل فى صمت بعد تهديده بالمطاردة حتى القتل.. وهو ما تكرر مع مبارك.. وإن دفع ثمن عناده برفضه الرحيل.. وكانت هناك ثلاث عواصم عربية فى انتظاره.. أما القذافى فقد احتاج خلعه وقتله تدخل قوى خارجية.. بينما أخذ على عبد الله صالح مسارا ثالثا.. وإن انتهت هذه الدول كلها إلى سيطرة قوى الإسلام السياسى على السلطة.

وصفت خطة أوباما بـ «بوش ذا بوردر».. أو ادفع الحدود.. أى أبعد مناطق التوتر الإسلامى بعيدا عن الساحة الدولية.. واقصرها على الساحات الداخلية.. ليأكل المسلمون بعضهم البعض.. فتوفر مالا ورجالا.. ولا تعرض وطنك وقواتك ومواطنيك وسفاراتك للخطر.. وتجنب بلادك مشاعر الكراهية.. اغسل يديك من دماء المسلمين.. واتركها فى رقبتهم أنفسهم.

استغلت الإدارة الأمريكية ثورات الربيع العربى وتحمست لمساندة الإسلاميين وأوصلتهم للسلطة بعد أن ضمنت سيطرتها عليهم.. لتنفجر كل أنواع الصراعات فى البلاد التى حلمت بالتنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فإذا بها تقع فريسة للفاشية والديكتاتورية المغطاة بشعارات دينية.. فى حالة مثالية من الفوضى الضاربة فى أعمدة الدولة المدنية.. ليكون المشهد كالتالى:

إسلام سياسى فى السلطة (جماعة الإخوان ) يواجهها إسلام سياسى فى المعارضة (الجماعات السلفية القاصرة على الدعوة السلمية ).. وإسلام جهادى خامل (الجماعات المسلحة التى نشطت فى التسعينيات وتابت مؤخرا ) وإسلام جهادى نشط ( الجماعات المسلحة فى سيناء وخلاياها التى تفجرت فى مدينة نصر على سبيل المثال ).. وإسلام تكفيرى ينتمى لتنظيم القاعدة.. ويكفر من فى السلطة.. ومن فى المعارضة.. وعبر عنه بوضوح أيمن الظواهرى فى رسائله للشعب المصرى.. بجانب إسلام صوفى يتفرع لنحو 70 طريقة.. وإسلام عشوائى.. اجتهد رموزه دون سند من علم أو انتماء إلى تنظيم.. وفى وسط هذه التناقضات الحادة بين أنصار دين إسلامى واحد تاهت خطوات الأزهر عن الطريق.. بل وأصبح هو نفسه مستهدفا ضمن باقى الحروب والصراعات والخلافات.

هل هناك أفضل للأجهزة الأمريكية الخفية والعلنية لتصفية قوى الإسلام.. عدوها الرئيسى منذ تسعينيات القرن الماضى.. دون أن تطلق رصاصة.. أو تنفق دولارا.. أو تورط نفسها فى جريمة تعذيب.. حرب أهلية إسلامية.. إسلامية.. تكشف عن تنافس حقيقى للتمتع بشهوات الحكم.. دون دليل حقيقى أنهم يريدون نصرة دين الله.

الخطة بدأت قبل وصول الإخوان للرئاسة.. فقد سمح المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية لحكمه بدخول عشرات من الجهاديين المتدربين فى أفغانستان.. فى نفس اللحظة التى أفرج فيها عن قادتهم الذين كانوا فى السجون والمعتقلات.. وعندما جاء محمد مرسى استغل سلطته فى العفو عن المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية.. وصلت الأحكام فيها إلى حد الإعدام.

وخلال نفس الفترة الانتقالية راح كل تيار من التيارات الإسلامية المختلفة يشحذ قوته.. ويسن أسنانه.. ويستعد للقتال فى سبيل السلطة.. ولو اقتضى الأمر قمع مسلمين آخرين.. ليتكرر نفس سيناريو مبارك ومن كانوا قبله.. فلا فرق وأنت فى الحكم أن تطلق لحيتك أو تضع على رأسك كابا.

وكى يكتمل المشهد على التنظيم الدولى للإخوان أن يوحد قوى الإسلام السنى بقيادة تركيا كى يواجه الإسلام الشيعى فى إيران.. العدو الوحيد الذى تحسب إسرائيل والولايات المتحدة حسابه فى المنطقة بأسرها.

ولا مانع هنا من أن يدعم الإخوان فى مصر الإخوان فى غزة.. بمنح نحو 50 ألف فلسطينى من هناك الجنسية المصرية.. ليكون لهم الحق فى تملك أراضٍ وعقارات فى شمال سيناء.. الامتداد الطبيعى لهم.. لنجد أنفسنا أمام دولة فلسطينية إسلامية تمتد من غزة إلى العريش مرورا برفح.

ومن سخريات القدر أن اليهود سعوا لإقامة وطن قومى لهم فى هذه المنطقة ولكن السلطان العثمانى رفض ذلك بشدة.. وبعد عشرات السنين.. أصبح الوطن القومى ليس لهم وإنما للفلسطينيين.. ونتصور أن تيارات الحكم ستقبل ذلك.. فالدين أهم من الوطن.. والجماعة أهم من الشعب.

لكن.. هذه الخطة الأمريكية.. الجهنمية.. تعرضت لانتكاسة عابرة بعد رفع علم القاعدة على السفارة الأمريكية فى القاهرة أثناء مظاهرات الغضب ضد الفيلم المسىء للرسول.. اكتشفت الإدارة الأمريكية أن وكيلها فى مصر لم يحم مصالحها.. ويمكن أن يخذلها.. وينقلب عليها إذا ما لزم الأمر.. وهو نفس ما فعل مع كل الذين تحالف معهم من قبل.. من ثوار يناير إلى جنرالات المجلس العسكرى.. وهنا قررت واشنطن التريث ولو قليلا.. وأعادت النظر فى إسقاط النظام فى سوريا.. كى لا يتوحد كل الإسلاميين ضدها.

إن الأمريكيين لا يتعلمون من أخطائهم.. ويكررون خطاياهم بنفس الحماس.. وبنفس الحيوية.. فقد سبق أن قاموا بتربية التنظيمات الجهادية فى أفغانستان.. وجرى تسمين الوحش حتى أجهز على الشيوعية هناك.. ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى أحس الوحش برغبته فى مزيد من الدماء فلم يجد سوى دماء الأمريكيين.. حلفاء الأمس.

إن الأمريكى لا يلدغ من الحجر مرتين وإنما مائة مرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق