خالد أبوبكر يكتب: مرسى قد يواجه جريمة.. من يحاكم الرئيس؟
لا دخل لأى مواطن بقيام هذه القضية ولم يكن أى منا يتمنى أن تثار، لكن تخيلوا أن تخرج علينا شخصية محل احترام فى المجتمع، وكان وقتها يشغل منصب القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة ومستشار رئيس الجمهورية الدكتور عصام العريان، ويخبرنا أن رئاسة الجمهورية قامت بتسجيل مكالمة تليفونية بين النائب العام وبين بعض ممن تحدثوا إليه من تليفونات الرئاسة وتحديدا وزير العدل والرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى.
وإلى جانب هذه المعلومة إذا بالدكتور العريان يشرح لنا مضمون هذه التسجيلات، ويقول لنا ويخبرنا أن النائب العام وافق على قبول منصب سفير مصر فى الفاتيكان، وفقا للتسجيل التليفونى الذى علم به وبمضمونه الدكتور عصام العريان وحده دون غيره.
وهنا أصبحنا أمام روايتين هما إما أن النائب العام لم يقبل المنصب، وبالتالى تدعى الرئاسة للشعب ما يعد كذبا، وإما أن النائب العام روى لنا ما لم يحدث، وهذا الأمر مخزٍ لأن أحدهما سيفقد مصداقيته، لكن من السهل حسم هذا الأمر، وإن كان من الأفضل أن يكون حله بعيدا عن الجمهور احتراما لمكانة مؤسستى النيابة العامة ورئاسة الجمهورية،
لكن هناك العديد من الأسئلة التى فجرها هذا الموضوع:
أولا: هل رئاسة الجمهورية تقوم بالتسجيل التليفونى للمتحدثين معها؟
ثانيا: بأوامر من أؤتمر الشخص الذى يقوم بالتسجيل؟
ثالثا: هل يتم استئذان الطرف الآخر فى المكالمة ويخبر بأن المكالمة مسجلة؟
رابعا: هل علم الدكتور العريان بهذه المعلومة بحكم منصبه كمستشار للرئيس أم بحكم صداقته للرئيس؟
خامسا: هل يجوز أن يخرج مستشار الرئيس ليروى للشعب تفاصيل اطلع عليها بمناسبة عمله؟
سادسا: هل من اللائق «فى حالة صدق رواية العريان» أن تقوم رئاسة الدولة بالتسجيل لشخصية تشغل منصب النائب العام فى مصر دون علمه ؟ وهل يجوز الاحتجاج عليه بهذا التسجيل لمحاولة إحراجه أمام الرأى العام؟
سابعا: هل تمثل هذه الأفعال كلها أو بعضها جرائم يحاسب عليها القانون؟
ثامنا: فى حال صدق رواية العريان هل يعد رئيس الجمهورية مسؤولا عن هذا التصرف؟
تاسعا: فى حالة إثبات أن الرئيس كان يعلم بعملية التسجيل التى تقوم بها الرئاسة، هل يكون مخطئا فى نظر القانون؟
عاشرا وأخيرا: من يحاسب ويحقق مع الرئيس ويحدد أنه مخطئ أم غير مخطئ من الناحية القانونية؟ وإن اقتنع هذا الذى سيحقق مع الرئيس بأنه ارتكب جريمة، أمام أى محكمة سيحاكم الرئيس؟
من المؤكد وفقا للقانون أنه لا يجوز تسجيل أى مكالمات هاتفية لأى مواطن، سواء موظف عام أو غيره بدون إذن من القاضى، وليست النيابة العامة، لأن ذلك الأمر له قدر من من الأهمية الخاصة، لتعلقه بحرمة الحياة الشخصية، حيث إنه فى حال طلب جهة أمنية تسجيل المكالمات، تعرض النيابة العامة الأوراق على القاضى الجزئى، الذى يصدر أمره بتسجيل المكالمات، إذا كان هناك جريمة، تستدعى التحرى عن طريق ذلك الأمر.
وخلاف ذلك، كل من يقوم بالتسجيل لشخص آخر دون علمه يعد مرتكبا لجريمة استراق السمع وهى جريمة يعاقب عليها بالحبس فى القانون المصرى.
وفى حالة قيام رئاسة الجمهورية بتسجيل المحادثات الهاتفية وقيام الدكتور العريان بإخبار الشعب بمضمون هذه الاتصالات، نكون بصدد جرائم يحاسب عليها العريان وأيضا يحاسب عليها رئيس الجمهورية.
لكن ما سنطرحه من الأسئلة السابقة هو الإجابة على السؤال الأخير فقط فى الأسئلة العشر التى طرحناها.
من يحاكم الرئيس المصرى الحالى الدكتور محمد مرسى حال ارتكابه جريمة؟ ومن يحقق معه؟ وأمام أى محكمة تتم محاكمته؟
الإجابة وببساطة شديدة أنه لا يوجد نص قانونى يمكن الاستناد إليه فى محاكمة رئيس الدولة هذه الأيام، فقد أسقط دستور عام 1971 ويحكمنا الآن الإعلانات الدستورية والقوانين الوضعية، وجميعها خلت من نص لمحاكمة رئيس الدولة، عدا بعض مواد قانون الإجراءات التى استندت على دستور لم يعد قائما الآن.
والقضية لها بعد آخر، ففى المثال السابق وهو واقعة تسجيل محادثة تليفونية للنائب العام، سيكون المجنى عليه وصاحب الحق فى الشكوى هو ممثل الادعاء فى المجتمع، وبالتالى فلا يجوز للنائب العام ممارسة تحقيق مع رئيس الدولة فى هذه الحالة لأنه طرف فى القضية.
طيب.. لو الرئيس عمل جريمة من يحاسبه؟ ممكن نقول قاضى تحقيق وبالتالى سيطلب من وزير العدل الذى هو مرؤس لرئيس الدولة أن ينتدب قاضيا للتحقيق مع رئيس الدولة.
وهل يستطيع هذا القاضى إيقاف الرئيس عن العمل لحين انتهاء التحقيق؟ وهل يجوز له حبسه احتياطيا؟ وإذا ما اقتنع قاضى التحقيق بقيام الرئيس بجريمة، أمام أى محكمة ستتم محاكمته؟
الحقيقة أنه لا أحد يستطيع أن يقطع بوجود قاعدة قانونية مفعلة الآن فى مصر تقنن محاكمة رئيس الدولة، ونحن أمام فراغ تشريعى ودستورى إلى أن يتم إقرار الدستور من الشعب.
كل ما نتمناه أن تبرأ ذمة الرئيس مرسى من جريمة استراق السمع، ليس فقط لأننا لا نرضى أن يكون رئيس بلادنا من المتجسسين على الناس، أو ممن يوظفون غيرهم للقيام بذلك، أو أن رئيس الدولة، لا قدر الله، من الذين يفشون أسرار العمل الذى أؤتمن عليه من قبل شعبه، ولكن رغبة منا فى أن نبعد عن جدل محاكمة الرئيس الحالى.
ويا ريت حضرتك ما تسألنيش طيب ماذا نفعل لو ارتكب الرئيس جريمة، لأن الإجابة باختصار «معرفش».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق