حكايات الضحايا من المشرحة إلى المقابر.. أشلاء مجهولة وأمهات تعرفن على أطفالهن من «الملابس الداخلية»


 

  
يجلس الرجل الثلاثينى بمفرده على الأرض متكئاً بظهره على جذع شجرة، منكب الوجه، لا يرفع نظره عن طفله الصغير الملفوف فى قطعة قماش بيضاء، يحمله على يديه، هذا المشهد فى حديقة مستشفى منفلوط المركزى، ليس لأب ينتظر دوره لتوقيع الكشف على ابنه المريض، وإنما لأب مكلوم يلقى نظرة الوداع فى خلو مع ابنه أحمد ذى الـ5 سنوات أحد ضحايا حادث قطار أسيوط، بعد تغسيله وتكفينه، فبمجرد استلامه من المشرحة جلس به على بعد أمتار قبل أن يقوم بدفنه، يتبادل حديث النظرات التى تملأها الحسرة والألم، ويقابلها الطفل القابع فى كفنه بهدوء لم يعهده الأب قبل ذلك على ابنه. لحظات الحزن والأسى والدموع أمام مشرحة منفلوط بدأت بمجرد نقل الضحايا إلى المشرحة ولم تنته حتى مساء السبت.. فقد توافد المئات من أهالى الضحايا أمام المشرحة للبحث عن بقايا أبنائهم بين أشلاء الموتى، النساء المتشحات بالسواد والأمهات الثكلى.. لا يتوقفن عن الصراخ والنحيب والعويل.. حالات إغماء تتوالى بسبب الصدمة.. الأم فقدت أبناءها الأربعة والأخرى فقدت البنت والولد، وجميعاً فى عمر الزهور. وأخرى أطمأن قلبها بعد أن وجدت ابنتها مصابة الدهشة والصدمة والبكاء الهستيرى وحالات إغماء أصابت كل من وجد جثمان ابنه أو بقايا أشلائه، وبينما من لم يجد ابنه يهدأ قليلاً لكنه لا يطمئن، ليبدأ رحلة البحث عنه بين المصابين، البحث عن الجثمان داخل المشرحة يتم بمعرفة الأهالى حيث فشل العاملون بالمشرحة تحديد هوية أى متوفى، مما دفع المسئولين بالمستشفى إلى توجيه رسالة لكل من يأتى من الأهالى للبحث عن أبنائهم «خش دوّر واللى يلقى ابنه ياخده»، حتى أصبح الأهالى يخرجون من المشرحة يحملون جثامين أبنائهم على أيديهم، ومنهم من ينقله على دراجة نارية إذا لم يستطع توفير سيارة خاصة لنقله إلى البيت أو المسجد للصلاة عليه. وفى ظل اختفاء معالم وتشوه وجه الأطفال الضحايا، وعجز العاملين عن تحديد هوية أشلاء الضحايا، تمكنت بعض الأمهات من التعرف على أبنائهن من ملابسهم الداخلية، نظراً لتشابه ملابسهم الخارجية «الزى المدرسى»، بينما ظل باقى الأهالى يبحثون عن بقايا أبنائهم بين الأشلاء، حيث وقف شخص ثلاثينى يدعى على قائلاً هذا الجاكيت خاص بابنى وجثته فين؟، بينما عجز عامل المشرحة عن الإجابة عن سؤاله، واكتفى بفتح باب الثلاجة المعدنى، الذى كشف عن أشلاء الجثث التى وضعت فى شكائر بلاستيكية، وأخرى فى شنطة الأطفال بدلاً من الكتب المدرسية، بينما عاد أحد الآباء إلى المشرحة مرة أخرى بعد فشله فى وجود ابنه بين المصابين فى المستشفيات، ويرى محمدين حسن أحد أهالى قرية المندرة أن أحد الأهالى تعرف على جثمان ابنه من الشال الذى كان قد وضعه على رقبته فى الصباح ليمنحه مزيداً من الدفء، فوجده ملفوفاً كما خرج به من المنزل، بينما اختفت ملامح وجهه تماماً. وفى نهاية اليوم احتفظت المشرحة بجثة دون رأس مجهولة الهوية والمعالم وبعض الأشلاء التى حددها عامل المشرحة فى فروة رأس ونصف جسد سفلى لطفل ومخ طفل وأجزاء من أمعاء بعض الضحايا وقدمين واحدة بيضاء والأخرى سمراء. ويقول سيد محمد عامل المشرحة إن هذه الأشلاء خاصة ببعض الجثث التى قام الأهالى باستلامها، لكننا لم نستطع تحديد أصحابها، خاصة أن هناك العديد من أهالى الضحايا الذين فقدوا خمسة وثلاثة واثنين من أبنائهم، ومن هؤلاء الأهالى من حصل على جثامين أبنائهم أشلاء فمن الممكن سقط منها أجزاء، موضحاً أنه بمجرد الانتهاء من التحقيق سوف يصدر قرار من النيابة بدفن هذه الأشلاء فى مقابر الصدقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق